حكاية قفل ومفتاح
من الفولكلور السوري
البنية والكلب الأسود ( حلقة 1 )
يحكى أن امرأة أقامت عند زوجها سنين كثيرة، لم تحمل فيها، وذات يوم كانت راجعة فيه مع زوجها إلى البيت ليلاً، فمرا بكلب أسود، نبحهما، فجفلت المرأة، وقالت في سرها: “لو رزقني الله بنتاً، لزوجتها لكلب أسود”ومرت الأيام، وإذا المرأة تحسّ بآثار الحمل، فأدركت أن الله قد أجاب دعاءها، ولكنها خشيت أن ترزق ببنت، فتضطر عند ئذ للوفاء بنذرها، وكان ما خشيت منه، إذ رزقها الله ببنت، ففرحت بها هي وزوجها، فقد ملأت حياتهما أنساً وبهجة، ونسيت الأم نذرها. ومرت الأيام فكبرت البنت،
وأرسلتها أمها إلى الكتاب، لتتعلم القراءة والكتابة، وذات يوم، كانت البنت راجعة فيه من الكتاب إلى البيت، مر بها كلب أسود ونبحها، فخافت، وابتعدت عنه، فتبعها، وقال لها: “قولي لأمك، أوفي نذرك.
ومضت البنت إلى البيت، ونسيت أن تقول لأمها ما قاله لها الكلب، وفي اليوم التالي قال لها الكلب، ما قاله لها في اليوم الأول، ولكنها نسيت أيضاً، وكذلك الحال في اليوم الثالث، وفي اليوم الرابع سألها الكلب لم لا تقول لأمها ما يوصيها به ، فأجابته بأنها تنسى، ووعدته أن تفعل، فحذرها من النسيان،
وأعطاها قطعاً من الحلوى، وطلب منها أن تضعها في جيبها، ولما بلغت البنت البيت نسيت أيضاً أن تقول لأمها ما أوصاها به الكلب، ولكن الأم رأت قطع الحلوى في جيب ابنتها، فسألتها عن مصدرها، فذكرت الكلب، وأخبرتها بما أوصاها به، وذكرت الأم نذرها، وحزنت لذلك، ولما جاء زوجها في المساء أخبرته بالأمر كله، فحزن الأب، وقال للأم: “لابد من الوفاء بالنذر”.
وبات الأبوان يهيئان نفسيهما لفراق ابنتهما، وكأنهما في كل يوم على موعد مع الكلب الأسود. وذات يوم قرع الباب، فخفق قلب الأم، وأسرعت تفتحه، وإذا الكلب الأسود في الباب، فأدركت قصده، ورجعت إلى البنت، وقالت لها: “تهيئي يا بنتي”، ثم حكت لها ما كان من أمر النذر، فاستجابت البنت، ودخلت على أبيها فودعته، ثم ودّعت أمها، وخرجت إلى الكلب، ومضت تسير إلى جانبه، تاركة أبويها يبكيان. وسار الكلب بالبنت، حتى بلغا خارج البلدة، فطلب منها أن تصعد على ظهره، فصعدت، فطار بها، وحلق في أجواء الفضاء، وهي متشبثة به، وبعد زمن من التحليق سألها: “كيف ترين الأرض؟” ، فأجابت: “مثل صينية كبيرة”، فأخذ يعلو بها أكثر فأكثر، ثم أعاد عليها السؤال، فأجابت: “مثل الصحن الكبير”، فأخذ يعلو بها أكثر فأكثر، ثم أعاد عليها السؤال، فأجابت: “مثل صحن صغير”،
وعندئذ حط بها، فإذا هي أمام قصر فخم، فرشه من الديباج، وغطاؤه من الحرير، تتصاعد من حوله أبخرة المسك والكافور، وتركها الكلب هناك، وغاب.وأخذت تجول في أنحاء الغرفة، مدهوشة لما ترى من أثاث ورياش، ثم أطلت من النافذة، فرأت أمامها فناء واسعاً، في وسطه بركة ماء، تترقرق أمواجها الناعمة، وتسبح فيها الأسماك الملونة،
وتتنقل على أطرافها الطيور، وتحيط بها الأشجار المزهرة، من شتى الأنواع، ونزلت إلى حديقة القصر، وأخذت تتسلى وتمرح، حتى كان المساء، فرجعت إلى مخدعها، وقدمت لها الخادمة، بعد عشاء فاخر، فنجان قهوة، فشربته، فأحست بنعاس لذيذ، فأوت إلى فراشها، واستسلمت لنوم عميق.
…
يتبع الحلقة 2
حكاية قفل ومفتاح
من الفولكلور السوري
أمير القمر ( حلقة 2 )
وفي الصّباح نهضت الفتاة على رائحة الأزهار وشدو العصافير ،فأحسّت بالرّاحة ،على الأقل لا تسمع هنا صياح أمها ،وقولها المستمرّ بأنّها لا تصلح لشيئ فما الذى يستفعله لمّا تعلم أنّها تعيش حياة الأميرات ؟
كان الكلب يجيئها بأحسن الطعام وأفخر اللباس، ومواد الزّينة ،ولمّا سألته :لماذا يفعل ذلك ؟ أجابها : ليلة إكتمال القمر سيأتي سيدي ويتزوّجك ،فكوني في أحسن حال ،وكلّ مرّة تحاول الفتاة معرفة من هو سيّده ،وكيف شكله ؟
كان يجيبها بأنه جميل الوجه كالبدر، وسيعجبها ،لم يكن أمام الفتاة ما تصنعه سوى تخيّل ذلك الفتى الذي سيأتي للزّواج منها ،لكن السّؤال الذي لم تعرفه هو لماذا إختارها هي من دون البنات ؟ وهل هو من الإنس أم الجنّ ؟
أمضت البنت بقيّة الأيّام وهي تتفرّج على الزّهور،وتدور في القصر، وتعجّبت لأنّه لم يكن هناك أحد لا من الحرّاس أو الخدم ،ولا ترى سوى الكلب الذي يظهر أمامها ثم يختفي كأنّ الأرض إبتلعته ،وفي الأخير عرفت أنّ هناك بابا لا تراه العين ،يدخل منه الكلب ويخرج ،
وذلك يجعلها تحسّ بالخوف ،فماذا يوجد خلف ذلك الباب ؟ ومن يضمن لها أنّ مخلوقات مرعبة لن تأتيها في الليل لما تكون مستغرقة في النّوم .
كانت الفتاة لطيفة وجميلة ،وقد زادتها أثواب الحرير والزّينة التي على وجهها فتنة وحسنا ،وصار الكلب يتأخّر في الإنصراف، ويجلس إلى جانبها ،وهو يحرّك ذنبه بسعادة ،
وأدركت الفتاة بإحساسها أنّ ذلك الكلب فتى مسحور، ووراءه سر كبير، ولا بدّ أن تعرفه ،وفي الغد تعطّرت ،وطلت شفتيها بصباغ وردي جميل، وجلست تنتظر الكلب ،وكعادته ظهر فجأة أمامها ،وفي يده طبق الطعام والشّراب ،فمسحت على رأسه ،ودعته للأكل معها فتردّد قليلا ،ونظر إليها،
لكنّها إبتسمت له ،فلم يستطع أن يقاوم جمالها ،وقال : حسنا لقمة واحدة لا غير، وإلا نالني العقاب الشّديد !!! أطعمته الفتاة ،وقالت له: لقمة أخرى تشتهيها عيناك، ولما أكل ،قالت: واحدة أخرى يتذوّقها لسانك ،وكلّ مرّة تمدّ له الطعام فيأكل. ولمّا شبع، قال لها : أنت في خطر،
وبعد يومين سيأتي سيدي ملك الجنّ ويتزوّجك ،و مرّة في الشّهر ليلة إكتمال القمر يتحوّل إلى شاب وسيم، ويتزوج بنتا من الإنس آتيه بها كلّ شهر،وهكذا الحال منذ سنوات طويلة .
أجابت الفتاة: وأين المشكلة في ذلك ؟ ليست هذه أوّل مرّة يتزوّج الجنّ من الإنس !!! أجابها :ليس كل الجن مثل بعض، وهؤلاء عاشوا منذ أقدم الأزمان، وهم يأكلون الناس ،وهذا الجنس قد هرم وتناقصت أعداده لذلك فإن الملك يتزوج من إنسية ليكون لهم نسل جديد ،
ولما يكبر الجنين في بطن أمه فستتحوّل إلى طعام له ،ومن أتيت بهنّ كثيرات ،وكلّما تدعو امرأة على إبنتها أحضرها لملك الجنّ. توقّفت الفتاة عن الأكل، وصاحت في ذعر : يعني أني سأموت ؟ أجابها: لا ،وكلّ هذا يجب أن ينتهي ،وبعدما إعترضت عمّا يفعلونه حولني الملك لكلب، لقد عشنا طويلا، والآن إنتهى زمننا،إسمعي ، لا بد أن نهرب، المشكلة أنّ الدّخول و الخروج من القصر صعب، لأنّ الوحيد الذي يقدر على فتح البوابة هو الملك ،
وفي رقبته هناك سلسلة يتوارثونها أبا عن جد فيها قفل ومفتاح ،ويجب الإحتيال عليه لسرقتهما، سألته وكيف ذلك؟ أجابها: ليلة إكتمال القمر سأحضر لك شرابا مسكّرا أصنعه من الرّمان، فاسقيه حتى ينام، واخلعي السّلسلة من رقبته ، ثم ناديني لكي نخرج معا ،بعد ذلك قال لها: سأذهب الآن ،فالعيون كثيرة في القصر ،والجنّ يحذرون منّي كثيرا ،نفّذي ما قلت لك عليه ،وسنهرب من هذا القصر .
لم يتبقّ على إكتمال القمر سوى يومين ،أمضتهما الفتاة في قلق ،وخوف شديدين ،في الليلة الأخيرة سمعت نعيق الغربان في حديقة القصر ،فانقبض قلبها ،ورويدا رويدا نزل الليل ،وكان القمر بديعا يرسل نوره على شرفتها ،وكانت أنظار الفتاة مركزّة على الحائط الذي يظهر منه الكلب، لكنّها سمعت طرقا على الباب،
وحين إلتفتت ناحيته ،وجدت فتى طويلا ووسيما يبتسم لها ،فتفاجأت كثيرا، ولم يكن يختلف عن غيره من الفتيان باستثناء حسن هيئته وملبسه ، ثم تقدّم منها ،ووضع في عنقها قلادة ثمينة من الذّهب وفي معصميها الأساور ،
وحادثها بلطف وأدب إلى درجة إعتقدت أن الكلب يكذب عليها ،ثم قال لها: لقد رأيتك في القصر ،وأحببتك، وأريد أن أتزوّجك هذه الليلة وأجعلك ملكة ،بعد ذلك يمكنك الخروج والذّهاب لأهلك ..
…
يتبع الحلقة 3
حكاية قفل ومفتاح
من الفولكلور السّوري
مغارة النّاسك ( حلقة 3 )
تساءلت الفتاة إذا كان الملك قد رآني، فلماذا إنتظر شهرا ليأتي ؟وأخذ الفتى يناجيها ويقول لها أعذب الكلام ،وفي النّهاية قرّرت أن تعمل بنصيحة الكلب ،ولا تغترّ بما تراه عينيها ،فقدّمت له طبق الفاكهة ،و نبيذ الرّمان فانبسطت نفسه ،وصار يتأمّل وجهها ،وعينيها الكبيرتين، وهي تقدّم له الكأس تلو الكأس لكنّه بقي صاحيا ،ولم ينم رغم أنه أفرغ الإبريق،
وخشيت الفتاة أن يستفيق من سكره، فأمسكت الإبريق، وضربته على رأسه بقوّة ،فصرخ صرخة عظيمة وسقط على الأرض ،وبدأ يتحوّل إلى مخلوق بشع المنظر ،لكنّ الفتاة لم تخف منه وانتزعت السّلسلة من رقبته ، ثمّ نادت الكلب ،ولمّا رأى ملك الجنّ على الأرض
،وقد سال د@مه قال لها: لن يتركك تعيشين بسلام ،وسيقلب الأرض بحثا عنك ،والآن هيّا نخرج، وحين أصبحا في بهو القصر أدار الكلب المفتاح في القفل،
فانفتحت بوّابة في الحائط ،خرجا منها ،ثمّ ركبت الفتاة فوق ظهر الكلب الذي طار بها في ذلك الليل ،وكان معه صرّة فسألته عما فيها فأجابها :ياقوت وزمرد سرقته من خزائن الملك ،قالت له الفتاة: أعتقد حقّا أن وضعنا سيّئ .
صمتت قليلا ثم فجأة سألته أين تنوي الذّهاب بنا ؟ أجابها : ليس من الحكمة أن ترجعي الآن لدار أبيك ،أعرف شعبا من الجنّ وهم لا يأذون أحدا وطباعهم مثل الإنس تعال نذهب ،ونحتمي بهم ،لمّا وصلوا إليهم ،
طلب الكلب رؤية ملكهم ،وقصّ عليه حكايته ،فاعتذر عن إيوائه ،وكلّما ذهبوا لشعب من الجنّ خاف ،ورفض إستقبالهم،وفي الأخير أحسّا بالتّعب، فجلسا تحت شجرة يستريحان ،وقد قارب الصّباح على الطّلوع هذا ما كان من أمر الفتاة والكلب ،أمّا ملك الجنّ فحين نهض إكتشف سرقة القفل والمفتاح ،فهاج وماج فبدونه تظلّ البوّابة مفتوحة لا يمكن إغلاقها ،واكتشف أيضا سرقة الياقوت ،فضرب على جبينه وقال : الأمير شيراز هو من دبّر هروب الفتاة
،ولقد حوّلته إلى كلب، و كان علي ق@تله منذ البداية لكن لن يبتعد كثيرا ،وإذا وجدته ، فسأجد أيضا تلك اللعينة، يجب أن أقبض عليهما، وإلا إنتهى أمر هذا الشّعب، وكنت آخر الملوك ،أرسل العفريت جواسيه إلى قرى الجنّ المحيطة به وكذلك البعيدة وأيضا قرى الإنس
،ومضت الأيام وهم يفتشون عن الكلب والفتاة دون طائل وجن جنون العفريت، وأحسّ بأن قومه لم يعودون يهابونه ،فعزم أن يخرج بنفسه للبحث عن الهاربين فتحوّل لخنزير برّي وسار في الغابات ،يسأل الطيور التي يقابلها على الأشجار إن رأت كلبا وإحدى الفتيات ،فتنظر إلى بعضها ،وتهز رؤوسها بالنّفي ،فيقتلها ويأكلها ،ويقول: يا لكم من حيوانات كذّابة رغم منظركم الجميل .
أمّا الفتاة والكلب فلمّا طلع عليهم الصّباح أحسّا بالجوع والعطش ،فدارا في الغابة لعلّهما يعثران عن ثمار برّية أو جدول ماء .وبينما هما يبحثان شاهدا ناسكا جالسا أمام مغارة وهو يصلّي ،ولمّا إنتهى من صلاته سلّمت عليه الفتاة ،لكنه نظر إلى الكلب ،وقال لها :ما دام هذا الحيوان هنا ،فلا تقتربي منّي!!!
فوالله ما هو إلا من الجنّ المغضوب عليهم ،أجابته :أعرف :لكن الأمير شيراز ليس مثل البقية ،ونتيجة لذلك مسخوه كلبا مثلما ترى !!! قطّب الشّيخ حاجبيه ،وقال: لا يوجد في هؤلاء خير،ومن يمرّ بهم يأكلونه، ولا يدخل غابتهم إلا تائه أو غريب. ردّ الكلب :لقد هداني الله فتبت ،لكنك تعرف أنّ الكلاب تخدم سادتها، وليس لها رأي، وملك الجنّ جعلني على هذه الصّورة لكي لا أعصيه ،
لكن الحبّ فتح عيني، وتغلّب على السّحر،هذه الحقيقة !!! كانت الفتاة تسمع ،واحمر وجهها ،لكنها لم يقل شيئا ،فأولئك القوم وجوههم بشعة تشبه الحرباءة وعيونهم كبيرة مستديرة ،أجاب النّاسك: آه من الحبّ ،وهو يجعلك حينا أسعد الناس وأحيانا أتعسهم ،هيّا إقتربا، لا شكّ أنّكما جائعين ،وتحسّان بالتّعب ،
ثمّ حلب لهما عنزة ،وأحضر صحفة فيها تمرا ،وقال: هذا كلّ ما عندي ،فحياة النّساك للعبادة ،وليست للأكل …
أكل الكلب والفتاة ،واستراحا في المغارة، وبرغم الفراش الخشن فلقد نامت البنت ملئ جفونها ،ولم تستيقظ إلا على صوت النّاسك وهو يقول: لقد نصبت فخّا ،واصطدت لكما أرنبا ضخما ،سأسلخه لك ،واطبخيه ،فأنا لا آكل اللحم ،وفي ذلك الوقت كان الخنزير البري يواصل المشي، فصادف البومة وقال لها :يا أجمل الطيور هل رأيت كلبا أسود يمرّ من هنا ا؟ أجابته: وهي مزهوّة بنفسها :إذا كنت تقصد الذي مع الفتاة فقد مرّا من هنا ،ولقد إستغربت من سيرهما في الليل ،
قال الخنزير في نفيسه: سأقتل كلّ الطيور ،وأترك البوم لتنقل إلي الأخبار،ومشى الخنزير حتى شمّ من بعيد رائحة اللحم المشوي ،فهتف بفرح : لقد خدعتما أعواني الذين بحثوا عنكما في قرى الإنس والجنّ ،أمّا أنا فلا أحد أذكى منّي ،وسأقبض عليكما ،وأعود بكما لقصري ،وعندئذ سيرجع الجميع إلى الطاعة .
…
يتبع الحلقة 4
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم التالي في الصفحة التالية 🌹
حكاية قفل ومفتاح
من الفولكلور السّوري
مصادفة غريبة مع ملك الجنّ (حلقة 4 )
لمّا إقترب العفريت الذي إتخذ هيئة خنزير برّي من مكان النار، وجد كهفا أمامه ناسك يتعبّد ،فقال له :أنصحك بتسليم الفتاة والكلب، وسأتركك تعيش!!! لكن الرّجل واصل عبادته ،ولم يهتم به ،فغضب الخنزير وأخذ يفرك حوافره في الأرض ،ولما جرى لينطح الناسك ،إصطدم جبينه بشيئ صلب جعله يقع على ظهره ،ويتلوّى من الألم ،ولمّا وقف وجد الناسك ينظر إليه بحدةّ ،
وقال له : هل ما زلت تريد الدخول إلى الكهف ؟ عرف ملك الجنّ أن هذا الرّجل ليس كغيره من النّساك ،ولن تنفع معه القوّة، فأراد أن يستعمل الحيلة، وقال له: إذا كنت تريد جارية فسأحضر لك واحدة شقراء شعرها مثل الذهب ،وإذا تريد كلبا فسأهديك واحدا لا يسابقه الرّيح ،قال الناسك :نهايتكم ستكون على يد تلك الفتاة والكلب الأسود، وستختفون من الوجود!!! بانت الحيرة على وجه الملك ،وسأله: ويحك كأنك تعرفني ؟ قال النّاسك نعم ، ألا تذكر ما فعلته مع أمّي ؟ حك العفريت رأسه وأجاب لا أذكر أني شاهدتك أو إلتقيت بك !!!
أجاب النّاسك : معك حقّ فلقد مرّ زمن طويل على الحادثة، لقد جاءوك في أحد الأيام بفتاة شابة، ولما علمت بسحرك أنّها حامل في شهرها الثاني رميتها في الغابة لتأكلها السباع ،ولم ترحم توسلاتها، قال ملك الجنّ: ربما حدث ذلك ،لكن من أين أتيت بهذه الحكاية العجيبة ؟ ردّ الناسك :أنا إبن تلك الفتاة المسكينة ولقد ماتت بعد ولادتي بأشهر ،وكان هناك رجل من الجنّ يحمل لنا الطعام والشراب ذات ليلة نظرت لأمي فإذا بها لا تتحرك، وأحسست بالجوع،
فزحفت على ركبتي حتى وصلت إلى هذا الكهف، وكنت أعتقد أني سأموت، في ذلك الوقت خرج الكلب، وأخذ يسمع ،ثم صاح متعجّبا: سبحان الله أنت هو ذلك الولد الصّغير، هذا لا يصدّق ؟ لقد إقترحت على أمّك الركوب على ظهري والرّجوع إلى أهلها ،لكنّها خافت أن يعلموا بالمولود ،وفضّلت أن تربّيك رغم كلّ الظروف .
إبتلع ملك الجن ريقه أمام هذه المفاجأة ،ثم قال :أنا الوحيد الذي أقدر على نزع السحر عن الكلب ومقابل ذلك يعطيني القفل والمفتاح ويتعهد بعدم الإقتراب من مملكتي، أمّا ما سرقه من ياقوت وزمرد فهو حلال له !!!
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم التالي في الصفحة التالية 🌹
أجاب الكلب :بل أقترح أن تكف عن إصطياد بنات الإنس ،والكف عن أكل من يقع في أيديكم من المسافرين لعل الله يرحمكم ويبارك في نسلكم، فما يحدث لكم هو عقاب على آثامكم !!! لكن ملك الجن رد عليه :لن ترى ذلك وستبقى كلبا تلحس العظم ولن تتزوّج من حبيبتك ،سأذهب الآن وأعدكم أننا سنلتقي قريبا وسأرصف جماجمكم على بوابة قصري ،لقد كان عرضي لك سخيا جدا لكنك رفضته ثم دار وانصرف وهو يتميّز من شدّة الغيظ ،فهذا آخر شيئ كان ينتظره
،وكلّ ذلك لتسامحه ،فلو كان الملوك الذين سبقوه لما فعلوا ذلك ولقتلوا الأمير شيراز على الفور،والآن عظم أمره وصار له حلفاء،
لكن الأمر الذي لم يفهمه هو من أين جاء ذلك الناسك الملعون بكل تلك القوة ،فلقد تحطم رأسه ،وهو يحاول نطحه كأن هناك حائطا من الحجارة حوله،ولما يرجع سيجمع قبيلته للحرب وهو لم يعودوا مثل الأيام الغابرة حين كانوا يرعبون كل الغابة
،والنسل الجديد ضعيف ،لكنه فكّر أنّ محاربة أعدائه سيعطي القبيلة ما ينقصها من القوة والبطش، فمن زمان لم يريقوا الدماء ويقطعوا الرّؤوس ،في تلك الأثناء كان الكلب والفتاة يستعدّان للرّحيل بعدما عرف ملك الجنّ مكانهما ،لكن النّاسك قال لهما :لقد حان الوقت ليدفع الملك ثمن جرائمه ،وإن لم نوقفهم فيواصلون إختطاف الصّبايا ،وقتلهنّ ،قالت الفتاة: وما الذي يمكننا فعله، فلا يغرنّك عجز ملك الجنّ أمامك اليوم ،فهو بارع في السحر!!! نظر الكلب للنّاسك ،وقال: هذا صحيح فالقصر مليئ بالغرف السّرية والسّراديب،
والله وحده يعلم ما فيها ،وهي قديمة من الأزمان الأولى ،أجاب :الناسك هل لا يزال القفل والمفتاح معك ؟ إستغرب الكلب ،وقال له : لماذا تسأل ،هل تنوي اخول للقصر ؟ ردّ النّاسك: سنضربه في عقر داره قبل أن يوحّد قومه ،ويصعب إيقاف بلائه …
…
يتبع الحلقة 5
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم التالي في الصفحة التالية 🌹
حكاية قفل ومفتاح
من الفولكلور السّوري
داخل سراديب القصر (حلقة 5)
قال النّاسك للكلب : سنذهب إلى القصر،وننتظر حتى ينام الجميع ،ثم ندخل ونبحث في كتبهم القديمة عن وصفة ترفع عنك السّحر !!! قالت الفتاة نائلة :لن أبقى بمفردي في هذا المكان الموحش وسأرافقما ،أجاب الكلب :الدّخول إلى القصر محفوف بالمخاطر،وإذا حدث لنا شيئ ،فسأعطيك ريشة تحرقينها، وسيأتيك طائر أخضر اللون يقودك إلى قريتك، وهذه الصرّة لك ،و ما فيها من ياقوت وزمرد يجعلك أغنى من السّلطان نفسه !!! لم ينفع إلحاح الفتاة ،
وعرفت أن الأمير شيراز يحبّها، ويخاف عليها، وقالت في نفسها : لو نجح في التخلص من السّحر ،فسأتزوّج منه رغم شكله القبيح ،فالرّجال بأفعالها وليس بوجوهها ،ثم أشعلت نارا ،وجلست تتدفّأ عليها ،بينما سار النّاسك والكلب بين المسارب الضّيقة ،وفي الطريق قال الكلب :لم أفهم إلى حدّ الآن كيف تمكّنت من العيش في الغابة ،وعمرك لم يتجاوز بضعة أشهر؟
أجاب الناسك: كلّما أتذكّره أنّي دخلت ذلك الكهف المظلم ،وشرعت في البكاء وفجأة ظهر لي شيخ يلبس جبة خضراء ،وفي إحدى يديه شمعة، والأخرى عنزة صغيرة ،وقال لي: أنا النّبي الخضر،أعطاني الله عمرا مديدا لأفعل الخير، ويشاء حظك أن أسمع بكائك، وأنا أعبر هذه الغابة ،إسمع !!! ستطعمك العنزة من حليبها وهو شراب مبارك ،وتضيئ الشّمعة كهفك ،ولن تطفئها الرّياح ولا العواصف. ثمّ وضع يده على رأسي، ودعا لي ،
بعد ذلك واصل طريقه وهو يبتسم .أجاب الكلب: يا لها من حكاية مدهشة ،لقد كنت أعتقد أنّ الخضر خرافة ،وبعد ماذا حدث ؟ أجاب الناسك: لا شيئ يستحقّ الذّكر ،فكلّما أجوع أشرب من حليب العنزة ،فقوي جسمي، ولم يعد يأثّر فيّ البرد والصّقيع ،ولم أعرف أبدا المرض ،وحين كبرت إتّخذت لي أثوابا من وبر العنزة،
واكتشفت أنّي أعرف أشياء كثيرة كالحياكة والغزل ،والعقاقير ،وغيرها ،دون أن يعلّمني أحد ذلك ،أجاب الكلب :سبحان الله كلّ ذلك بفضل دعاء الخضر لك .
في هذه اللحظة بان لهما القصر، وكان شاهقا يبلغ عنان السّماء وقد نحتت على حدرانه تماثيل ونقوش تآكلت جوانبها من شدة القدم ،كمن النّاسك والكلب وراء صخرة باتظار حلول الظلام ،ولاحظا أنّ البوّابة مفتوحة لكن لا أحد يدخل أو يخرج ،تعجب النّاسك، لكنّ الكلب قال له: بما أن القفل والمفتاح معي فلن يستطيع أحد إغلاق البوّابة ،وهذا هو سبب جنون العفريت ،وبفضل القفل والمفتاح سندخل للغرف السرية والدهاليز ،
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم التالي في الصفحة التالية 🌹
ومنذ القديم هذه الأماكن محرّمة علينا، ولا يدخلها سوى الملوك ،ويقال أن فيها شيئا لا يجب أن يراه أحد ،وهم يحرسونه أبا عن جدّ ،مضى الوقت سريعا ،وأظلمت الدّنيا ،فتسلّل الكلب ،ووراءه النّاسك،وبدآ يدوران في الأروقة حتى وصلا إلى حائط مزخرف بصورة شمس تخرج من السّحاب فأدار الكلب المفتاح في القفل ،وانفتح باب سرّي دون أن يحدث صوتا ،
و ظهر لهما درج ينزل لباطن الأرض ،فأشعل الناسك شمعة ،ونزل فوجد صفّا من التوابيت المذهّبة مرصوفة بجوار بعضها، فقال: هذا سرداب الملوك ،من أوّلهم حتى الآن ،ولا يوجد من يهمنا هنا .
ثمّ أخذوا كل مرّة يدخلون غرفة ويجدون شيئا ،تارة خزائن مخطوطات، وطورا أسلحة وملابس ملكية ،ثمّ نزلوا في دهليز طويل مظلم ،وفتحا الغرفة الخامسة ،وكان من الواضح أن أحدا لم يأت لذلك المكان منذ زمن طويل فالغبار وخيوط العنكبوت يغطيان الغرفة ،ولمّا نظرا حولهما شاهدا صناديق فيها حيوانات صغيرة مجفّفة وعلى الحيطان رفوف مليئة بالعقاقير والكتب التي إصفرّ لونها ،ولمّا أخذ الناسك أحدها، ونفض عنه الغبار، هتف بفرح لقد عثرنا أخير على معبد السّحرة …
…
يتبع الحلقة 6 والأخيرة
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم التالي في الصفحة التالية 🌹
حكاية قفل ومفتاح
من الفولكلور السّوري
حجر السّماء (حلقة 6 والأخيرة )
قرّب النّاسك الشّمعة ،وأخذ. ينظر في عناوين الكتب، ثم توقّف عند أحدها وفتحه ،وكان مكتوبا بلغة غير مفهومة لكنه كان يقرأها دون صعوبة ،وبعد قليل قال: لقد وجدت الوصفة التي ستفك عنك السّحر ،
وهناك وصفات أخرى تعطيك الشّكل الذي تريده ،سأصنع لك شيئا لتصبح جميل الوجه تعشقك البنات !!! ضحك الكلب حتى بانت أنيابه، وقال :أرجو أن لا يزول جمالي لما أغسل وجهي في الصّباح ،أجاب الناسك : هذا سحر الملكين هاروت وماروت ،رربما هذا آخر الكتب التي مازات موجودة، ولمّا. ننتهي من مهمتنا سأحرق هذا الكتاب، وكل هذه المكتبة ، لكي ينتهي إلى الأبد كل الشر الموجود هنا،
لكنه فجأة سمع صوتا يقول بل أنت ورفيقك الكلب من سينتهيان من الوجود، ولمّا إلتفت وراءه وجد ملك الجنّ ووحرسه يشهرون حرابهم وسهامهم ،ثم ألقى الملك بفراشة طارت في الغرفة ،وخرج من أجنحتها غبار أصفر ،وما هي لحظات حتى سقط الناسك والكلب على الأرض وهما يشعران بدوار ،
فقيّدهما الحرس، وأخذوا القفل والمفتاح ،أمّا ملك الجن فابتهج ،وقال: لقد كنت متأكّدا أنكما ستجيئان إلى هنا أيها الأحمقان ،وكنت في إنتظاركما ،ولم يبق إلا القبض على تلك الفتاة لأق@تلكم معا .
هذا ما كان من أمر الكلب والناسك ، أما نائلة فانتظرت قليلا ،وشعرت بوحشة في قلبها ،فقالت في نفسها: سأذهب قرب القصر، وأنتظرهما هناك ،فحرقت الرّيشة التي أعطاها لها الكلب ،ولم تمض سوى بضعة لحظات حتى سمعت رفرفة طائر فوق رأسها ،ولمّا رفعت عينيها شاهدت طائرا أخضر ليس في الدنياأ جمل منه ،فطلبت منه أن يقودها لقصر الجنّ،
فقال : سمعا وطاعة ،واتّبعته في ذلك الليل الحالك ين الأشجار والأحراش حتى أوصلها ،ثم سألها :هل تريدين شيئا آخر ؟ فقالت :هل يمكنك الدّخول، ومعرفة كيف هي حال سيّدك شيراز ؟ فغاب قليلا ،ثم رجع وهو يرتعد من الخوف ،وقال لها: لقد رأيت الملك يقبض عليه مع رفيقه ويسجنهما ،وهو الآن خارج مع عدد كبير من حرسه ليمسكوا بك، وفي نيتهم صلبكم الثلاثة على باب القصر غدا صباحا لتأكلكم الغربان والبوم ، لقد أحسنت صنعا بالمجيئ إلى هنا !!! أجابت : الحمد لله الذي هداني لما فيه الخير.
لمتابعة القراءة اضغط على الرقم التالي في الصفحة التالية 🌹
وبعد قليل سمعت قرع الطبول، وانفتح الباب، وبدأ الجنّ يخرجون، وفي أيديهم المشاعل ،ولما خارخ آخرهم تسللت في الظلام ودخلت القصر قبل أن ينغلق الباب ،ثمّ أصاخت بسمعها فلم تسمع شيئا ،وقالت للطائر الأخضر: الآن قدني إلى المكان الذي رأيت فيه الأمير شيراز والناسك ،فنزل بها إلى الدّهليز ثم طار حتى وقف أمام حائط مليئ بالزّخارف ،
فسألته أين الباب فأنا لا أرى شيئا !!! أجابها: الأبواب لا تفتح إلا بالقفل والمفتاح ،وهما الآن عند الملك ،فبدأت الفتاة تصيح وتضرب على الحائط بقوّة ،وفي الأخير سمعت صوتا ضعيفا يقول :نائلة هل هذا أنت ؟ ألم أوصيك بالبقاء في الكهف ؟ أجابته إحمد الله أني لم أسمع كلامك وإلا قبضوا علي في الكهف ،ثم صمتت قليلا وبعد ذلك قالت لا أسمع أصواتهم وأكثرهم خرج مع الملك لا بد أن تجدا طريقة للهروب قبل رجوعهم للقصر .
في هذه الأثناء إستيقظ الناسك وهو يشكو من ألم فضيع في رأسه ،ولما فهم ما يحدث تحامل على نفسه ،ووقف أمام رفوف الكتب يقلب فيها عن طريقة للخروج ،أما الكلب فبقي يتفرّج عن الأشياء الكثيرة التي تمتلأ بها الغرفة الكبيرة ،قال الناسك بضيق لم أجد ما يساعدنا على فتح الباب ،لكن الكلب هتف فجأة تعال وانظر !!! جاء الناسك ،واستغرب لرؤية حجر برّاق داخل صندوق من العاج
ثم قال: لم أر هذا الشيئ من قبل ،حكّ الكلب رأسه ،وأجاب: أعتقد أنّ هذا الشّيئ هو الذي يحرسه ملوك الجن ،ويمنعوننا من رؤيته ،وكلّ علمهم من ذلك الحجر الذي وجده الكهنة في أوّل الدّنيا ،ولو حطّمناه لزال السّحر الذي في القصر !!! قال الناسك : ليس لنا ما نخسره، ثم أخذ يد مهراس ،وضرب الحجر بع@نف،فتهشم إلى قطع صغيرة تناثرت في كلّ مكان ،وما كاد يرفع رأسه حتى أحسّ بالأرض تتزلزل من تحته، وانفتح الباب، فصاح الكلب إركب على ظهري بسرعة أنت ونائلة .
وما كادوا يرتفعون في الهواء حتى إنخسفت الأرض بالقصر وبما فيه من كنوز عظيمة وتحف وكتب ،فقال :النّاسك: علينا أن نسبق ملك الجن وآخذ عنزة وشمعة الخضر ،لكن ما لا يعلمه أنّ الجنّ سقطوا مرضى في اللحظة التي تحطم فيها الحجر وبدأو يموتون ، ولم يبقى إلا الملك الذي عاد بسرعة للقصر،
واكتشف أنّه لم يبق شيئ ،فجلس يتحسّر على تسامحه مع شيراز فمرتين يقع في يده وينجوا لكن هذه المرّة ستكون الأخيرة ثم نزل من حفرة إلى سرداب الملوك،واضطجع بجانب أجداده ومات وبذلك كان الملك الأخير والوحيد الذي ليس له تابوت مذهّب منذ آلاف السنين.أما الكلب فلقد طار إلى القرية ولما نزلوا قال له النّاسك بأسى :لقد فشلنا في مهمّتنا ،وستبقى كامل حياتك كلبا ،
ثمّ جلس يفكّر في العجائب التي حصلت له .
وفجأة سمع الضحكات وراءه، ولمّا إلتفت لم يصدق عينيه ،فلقد تحول الكلب الأسود إلى فتى وسيم أخضر العينين ،وشاهده يعانق نائلة ،ثم فهم كلّ شيئ لما رأى الأمير شيراز يمسك قطعة من الحجر السّحري في يده، وعرف أنّه لمّا كسره بالمهراس طارت تلك القطعة ،ودخلت في ثيابه ،
فحمد الناسك الله الذي يرزق عبده من حيث لا يعلم ،واشترى الأمير شيراز قصرا بصرّة الزّمرد وتزوّج من نائلة ،وقرر النّاسك أيضا الزّواج من فتاة جميلة رآها في القرية وعاش مع صديقه في القصر،واشتغل بالطب وصناعة العقاقير ،أما الجن فقد نسى الناس أمرهم وأصبحت النْساء يمتنعن عن الدّعاء على بناتهن ،وتقول الأسطورة أنّ هذه الحكاية صحيحة ،ووقعت منذ زمن بعيد .
…
إنتهت الحكاية وشكرا على المتابعة والإهتمام .